الآن فقط بدأ الحديث عن صرف الرواتب موضوعاً شاغلاً لطرفي النزاع في اليمن، ليس تحفزاً وتفاعلاً إيجابياً لصالحه، وإنما للتسابق نحو المزايدة والمكايدة به، بعد أن فرض هذا الموضوع للتداول فرضاً من قبل الدول الراعية والأمم المتحدة، في مشاورات وتداولات الهدن المتداولة، والتي يبدو بوضوح أنها أيضاً مفروضة وخارج إرادتي ومخططات الطرفين..
والذي تثبته الأحداث وتكشفه أو تسربه تفاوضات السر والعلن، أنه لم يتقدم أحد الطرفين في أي اتفاق طوال الأزمة اليمنية، بصرف الرواتب ضمن نقاط وتفاصيل مطالبه أو شروطه أو حتى مقترحاته، لأنه لا مصلحة لأي من الطرفين في صرف الرواتب، بل على العكس تكمن مصلحة الجميع في انقطاع الرواتب، لأنه ساعد ويساعد في تعزيز صفوف مقاتليهم هنا وهناك.
والحقيقة أن تعامل الطرفين مع قضية الرواتب هو ذاته التعامل والموقف تجاه رفع الحصار عن مدينة تعز وفتح الطرقات منها وإليها، تتم المزايدة والمكايدة به ولا أحد يريد تنفيذه. ولو لاحظنا جيداً سنجد أن الموضوعين اللذين تنشغل الساحة بهما كملهاة جديدة في أزمة اليمن واليمنيين، في الوقت الراهن هما قضيتا الرواتب وحصار تعز.
وفي هاتين القضيتين، كملهاة جديدة، لا يعدم فهم موقف الطرفين الحقيقي منهما، وتكشف مبالغات كل طرف في دعاواه، كيف أن القضيتين أصبحتا عتبة ذات شرفتين يتلاسن ويتقاذف الطرفان بينهما بالاتهامات ويتبنيان البطولات في ساحاتها مع أن كل سيوفهم مفلولة وشعاراتهم زائفة ودعاواهم مصبوغة بالكيد السياسي والتحشيد مع وضد كل طرف، متناسين أن مجمل الظروف والمتغيرات أثبتت وتثبت من يوم لآخر كيف أن الوطن والمواطن وحاجاتهما ومصالحهما العامة مرمية عنوةً في سلة مهملات كل طرف.
والخلاصة أن اليمن واليمنيين براء من كل هؤلاء الزائفين، وأن هذه الفوضى التي ينعمون بالنماء تحت سمائها، هي حدث زمني عارض، وقد شهد اليمن عبر تاريخه ما هو أشد وأكثر وطأة ونهض في النهاية سليما معافى، ولكن مع التأكيد والتشديد على أن الأمر اليوم أصبح عداء بين اليمن واليمنيين من طرف وبين من يتنازعون ليمزقوا الوطن لا ليبنوه من طرف آخر، وهو عداء لن تبرد ناره قبل أن تلتهم من أوقدوها.