هناك فرضية دارجة في وسائل الإعلام مفادها أن الحوثيين باتوا أقوى بعد سبع سنوات من الحرب، أكثر مما كانوا عليه في بداية الحرب التي نشبت في العام 2015 بعد إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية عن عملية “عاصفة الحزم”، والحقيقة أن هذه المقولة يشوبها الكثير من المغالطات وسوء القراءة لواقع المشهد اليمني اليوم.
وعلى خلاف الصورة النمطية التي تضخمها عمليات الحوثيين العابرة للحدود والتي كان آخرها استهداف دولة الإمارات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فإن واقع الحال يقول إن الحوثيين تحولوا إلى أداة إيرانية مسلوبة الإرادة السياسية وجزء من مشروع خارجي لا يجد أي شعبية في الشارع اليمني.
ونستطيع أن نقول إن الحوثيين لم يستنزفوا عسكريا واقتصاديا وبشريا خلال السبع سنوات الماضية فقط، بل استنزفوا أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا بعد أن خسروا القسم الأكبر من أنصار فكرتهم الأصلية التي كانت تقوم على شعارات مضللة مثل العدالة ومحاربة مراكز النفوذ التقليدية في اليمن، إضافة إلى شعاراتهم ذات الطابع الاقتصادي والتي اجتذبت الكثير من فقراء اليمن، قبل أن تتحول الجماعة الحوثية لاحقا إلى أيقونة شعبية للظلم وسياسة الإفقار وتجويع اليمنيين وقمعهم فكريا وسياسيا.
والحقيقة الماثلة اليوم أمام من يقرأ نبض الشارع اليمني وتفاعلاته، هي أن الحوثيين باتوا في أضعف مراحلهم وأنهم لم يجدوا من أسمال شعاراتهم البالية التي ظلوا يدارون بها سوءاتهم سوى الحديث عن الحرب التي أشعلوها باعتبارها “عدوانا” على اليمن وشعبه وهي الأسطوانة التي يحاولون من خلالها اليوم إسكات أي أصوات مطالبة بحقوقها الإنسانية والاقتصادية في ظل مشهد سوداوي معتم في مناطق سيطرتهم يهيمن عليه الفقر والجوع والخوف.
وبات من المؤكد أن الحوثيين في هذه المرحلة الداكنة من تاريخ اليمن، يهربون من استحقاقات شعبية هائلة تنتظرهم في مناطق سيطرتهم إلى المزيد من الحروب الخارجية التي يوسعون رقعتها بغير هدى ودون أي أجندات محلية أو قراءة متأنية للتحولات الإقليمية والدولية التي تسير ببطء ولكن بخلاف ما يشتهون.
ومن ينظر إلى مؤشر التصعيد الحوثي والذي كان آخر ملامحه استهداف دولة الإمارات، يدرك جيدا أن الجماعة تعمل وفقا لأجندات ومصالح إيرانية حتى وإن تعارضت مع مصالحها الذاتية، حيث جاء التصعيد الإرهابي الأخير على الإمارات، وقبل ذلك القرصنة في البحر الأحمر واقتحام مبنى السفارة الأميركية، في الوقت الذي تمر فيه المفاوضات بين الغرب والنظام الإيراني حول الاتفاق النووي بمنعطف حرج ومفصلي.
وبقدر ما يتضح جليا أن التصعيد الحوثي هو استجابة كاملة لمصالح وأهداف النظام الإيراني وتوقيتاته، يبدو كذلك أن توقيت هذه الهجمات يأتي بما لا تشتهيه سفن الحوثي في اليمن التي كشفت الغطاء الدولي عنها إلى حد كبير بعد أن رفضت كل مبادرات السلام وقابلت التدليل الأميركي بإحراج إدارة الرئيس بايدن من خلال اقتحام مبنى السفارة الأميركية في صنعاء واحتجاز العشرات من العاملين فيه، إضافة إلى إحباط جهود المبعوثين الأممي والأميركي اللذين أراقا وجه الدبلوماسية الدولية في سبيل انتزاع موافقة شكلية من الحوثيين على مبادرة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث.
وقد أطلق التصعيد الحوثي الأخير يد التحالف العربي وأضفى المزيد من المشروعية على تدخل السعودية والإمارات في اليمن وهو التدخل الذي يبدو أنه يمر بمنعطف جديد يتمثل في توجيه ضربات جوية موجعة للحوثيين بالتوازي مع تحريك القوات على الأرض لتحرير المزيد من المناطق، حيث يأتي دور قوات العمالقة الجنوبية حاسما في هذا الأمر بالنظر لفاعلية هذه القوات وتنظيمها ووجود الحافز لديها لمواجهة المشروع الحوثي وهو ما نتجت عنه سلسلة من الانتصارات السريعة والفاعلة وتحرير ثلاث مديريات في محافظة شبوة ومديرية رابعة في مأرب بوقت قياسي.
وفيما تبدو عمليات التحالف الجوية المكثفة ضد الحوثيين وتحركات قوات العمالقة على الأرض جزءا من استراتيجية جديدة لتحجيم الميليشيات الحوثية والاستفادة من أخطاء وتجارب سبع سنوات من الحرب، ما يزال هناك الكثير مما يخشاه الحوثيون، وفي مقدمة ذلك إعادة خطة استكمال تحرير محافظة الحديدة إلى الواجهة والتي توقفت نتيجة ضغوط دولية في العام 2018 أسفرت عن اتفاق السويد الذي لم ينفذ منه شيء على الأرض وذاب حبره بمياه موانئ الحديدة، التي حولها الحوثيون إلى قواعد عسكرية لشن الهجمات وتنفيذ عمليات القرصنة وتهريب الأسلحة، وهو ما يوفر المبرر الكافي لإلغاء هذا الاتفاق والمضي قدما في تنفيذ أكثر ما يخشاه الحوثي وهو انتزاع آخر مساحة جغرافية مطلة على البحر ما تزال في قبضته وتركه فريسة للغضب الشعبي والخذلان الإيراني والعقوبات الدولية التي تلوح في الأفق.